تيار المقاومة والتحرير - الموقع الرسمي

قوَات العاصفة- شبكة الجرمق

الصفحة الأساسية > المفوضية الاعلامية > أدبيات التيار > وثيقة حركية : تخبط تيار التفريط

وثيقة حركية : تخبط تيار التفريط

الجمعة 1 تموز (يوليو) 2011

التاريخ: 2010

وثيقة حركية

سؤال ما قبل الكارثة الوطنية

إننا اليوم ندرك بشكل واضح أن المؤامرة التي جرت على حياة الشهيد عرفات، والتي بدأت باكراً مع قيام محمود عباس منذ مؤتمر العقبة وما قبلها، بالتآمر مع العدو الإمبريالي والصهيوني، لتجريد الشهيد عرفات من سلطاته المباشرة، سواء تلكم التي هي في الجوانب السياسية والمالية والإدارية، أو تلكم التي هي في قدرته على تشغيل الخيارات الوطنية والبدائل الوطنية في الظرف المناسب عند اليقين بأنه لا مناص من ذلك، إن حقيقة المؤامرة على الشهيد ياسر عرفات والتي نفذها محمود عباس وحلقة الخيانة والتآمر في فتح- دايتون وسلطة العمالة ، كانت في تخريب الدالة السياسية لحركة فتح والتي كان بإمكان الشهيد عرفات إعادة تشغيلها للنجاة من طوق القتل الذي تم تحريف أوسلو للوصول إليه اليوم على أيدي ذات الطغمة التي نشطت باكراً قبل عملية أوسلو بكثير، ولذا فإن هذه الحلقة التآمرية يجب أن تكون أول حلقات الحساب الفتحاوي، ولأن ما أسموه مؤتمرا في بيت لحم المحتلة زوراً وبهتاناً، جرى اختطافه بحيث يتم فيه التعمية على هذه الأدوار الخيانية، وعلى مركبات ووقائع الفساد السياسي والأخلاقي والمالي والأمني والوطني، فإن المحاسبة الوطنية والشعبية هي ضرورة وطنية ملحة، بالإضافة إلى المحاسبة الفتحاوية التي لن تغيب ولن تنتظر طويلاً.

لاشك أن الرد المناسب يتواجد في المؤسسة الجبهوية الأكبر التي جرت عليها أيضا ذات عمليات التفريغ والاحتواء، أي على الإطار لأشمل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المحتلة، ولأن عمليات الاستيطان التي نفذتها عصابة عباس بصمت من بعض الفصائل الممثلة تاريخيا في م.ت.ف داخل هذه المؤسسات، قد جرت بذات الطريقة التزويرية والتدميرية ليس فقط على الهيكل العام الخارجي، ولا على مكوناته الداخلية، بل حتى على الإطار السياسي والفكري العام، بحيث جرت عملية تطويع لهذه القيمة النضالية الأساسية لصالح فقرة من فقرات ما عرف بتجربة أوسلو المنفردة والشاذة في تاريخ كامل هذه الللحمة المتجانسة نضاليا، وعليه فإن الوقت قد حان لتصحيح الشذوذ القائم منذ عام 1993 ، والمبادرة فوراً إلى مؤتمر وطني شامل ينعقد مع مجلس وطني حقيقي، يأخذ طريقه إلى تنقية البرنامج الأصيل لمنظمة التحرير، وتبني استراتيجية نضالية حقيقية تتناول كل المفردات القوية في الجملة السياسية الفلسطينية، وتنتخب قيادة وطنية حقيقية ومؤتمنة وقادرة على ترجمة هذا البرنامج إلى الواقع، من باب الكفاح الوطني بكل خياراته الممكنة وفي مقدمتها الكفاح المسلح.

لقد فقدوا البوصلة....
واحدة من أهم أولويات العدو الصهيوني في صراعه ضد الشعب العربي الفلسطيني، هي امتلاك القدرة على كسر إرادة البقاء والصمود، وضرب نقاط الانتماء والأدوار الحضارية لهذا الشعب، وتعتلي أولى درجات الأهمية في هذه الاستراتيجية الشاملة التي تحاول دوائر العدو تشغيلها بكفاءة، استهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية، والعمل على تذويبها واتخاذ سياسة الحلول فيها كوسيلة لتنفيذ هذه الأهداف العنصرية العدوانية المجرمة. تلحظ استراتيجية العدو الصهيوني أن واحدة من أهم محركات الصمود الفلسطيني وأسباب تغذيته عائد بالأصل بالإضافة إلى صفاته الخاصة من الناحية الوطنية والقومية، عائد إلى كونه يستمد عناصر التغذية المستمرة من الارتباط الديني القوي، وأيضا من حقيقة كونه الوريث الأصيل للارتباط بين المواقع الإسلامية في المدن المقدسة الثلاث من جهة، ومن كونه عنصر الجوهر في الرسالة المسيحية التي بشر بها النبي عيسى الفلسطيني، ولأن هذه الوراثة وهذه الجوهرية في الانتماء والارتباط قائمة، فإن من الطبيعي أن تضمن عناصر الاستمرارية في إرادة الصمود والبقاء والكفاح عند هذا الشعب المرابط، وعليه فإن استهداف هذه المحركات تكون بالقطع مهمة لا تقبل التأجيل على جداول العدو العنصري الحاقد.

إن العزل الذي مارسته أدوات الكيان الصهيوني كان جزءا من أهدافه الاستفراد بالأقصى والقدس ، وبالرغم من بطولة المقدسيين من أبناء شعبنا المرابط، وتضحيات أخوتنا في الداخل الفلسطيني ومواصلة نضالاتهم وتحديهم لإجراءات العدو المتغطرس، إلا أن ذلك كله من الواضح أنه لن يردع العدو عن إكمال مخططاته الجهنمية بدءا بتقسيم الحرم القدسي، وممارسة سياسة ترويض الذهن والوعي العربي على القبول بهذا الوضع كما تم في ملف الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، وذلك عبر هذه الاستباحات اليومية المتعددة وصولا إلى خلق سياسة الأمر الواقع، ولأن كل بيانات الشجب إن وجدت لن تردع هذا العدو الماكر الجبان الذي خبرناه طويلا، فإن الحل يكمن في خطوات سياسية فورية على المستوى الفصائلي المقاوم، وخطوات على الأرض ليس بإشعال انتفاضة واسعة ضد هذا العدو شعبية وجماهيرية فقط، بل ببدء استهداف عناصر وقطعان المستوطنين الصهاينة أولا في الضفة الفلسطينية، وبتشغيل آلية العمل العسكري المقاوم لأنه لن يردع هذا العدو إلا هذا الخيار، ولأن هذا الخيار هو الخيار الذي تستهدفه السلطة العميلة وطغمتها جنبا إلى جنب بالاشتراك مع العدو، فلا بد من مواجهة هذه السلطة وإسقاطها إن وقفت أمام هذا الواجب الوطني المقدس.

الحياد في المسؤولية الوطنية....!
عندما يصبح الواجب الوطني هو القيام بمهمات قطع الطريق على ضرب الوحدة الوطنية ابتداء هو واجب لم تستنفذ فيه كل الإمكانيات ولم يستحق الالتفات الحقيقي إليه في الظرف المناسب، وأصبحت نتائج غيابه خطيرة ومرهقة إلى حد الضغوطات المخيفة، فإن التراتبية الثانية في صفحات الواجب الوطني عند نشوء هذا الخلل في العلاقات الوطنية الاخلية لا تغدو نزهة أو مجالاً للخيارات في هذه اللحظة، ولا هي قابلة للتأجيل أو الاستخدام المناوراتي في هذه اللحظات التاريخية، ذلك أن نتيجة أي من هذه التشكيلات التساهلية في هذه اللحظات التاريخية ستكون وخيمة لمدى غير منظور، وتحمل لا سمح الله بذورها السوداء لفترة ليست بالقليلة تأكل من بيدر الرصيد الاستراتيجي الكفاحي الوطني بعامة وليس فقط من رصيد فصيل أو قوة بعينها، أو تؤثر على مرحلة داخلية بينية في مسار الجملة الحركية الشاملة، إنها ستضرب في عموم ومحصلة الرصيد الوطني العام، وهذه مسؤولية ليست بالهينة ولا يمكن الاستخفاف بها كما علّمنا التاريخ وأوضحته تجارب الكفاح الوطني العالمية عند الشعوب التي قاتلت من أجل حريتها وكرامتها.

مؤسف أن تكون استجابة حركة حماس باهتة على هذا النحو ولا تغادر مربع الاستخدام المناوراتي الذي لا نستطيع حتى اللحظة تمييز المصلحة الوطنية الشاملة في مستواه ونوعية جوابه، نتفهم أن تكون العملية التي تطلبها الرباعية في تحقيق "التوافق الفلسطيني" سواء قسراً أو تحايلاً بالورقة المصرية أو الانتخابات أو غيرها، في الطريق إلى ما يوضحه العدو من أغراض الاستخدام اللاحق لمثل هذه النواتج من هكذا توافق مشروط فيما يسمونه عملية التسوية، نفهم أن تكون موقع مناورة وشراء وقت في أقل مراتب الرفض الوطني لها، لعدة أسباب منها ما تقدم من وظيفية معينة تنتظر هذه العملية، ومنها أيضا أن حقيقة ما هو قائم في الساحة الفلسطينية ليست انقساماً حقيقياً بالنظر إلى أجندة الطرف الذي اختطف قرار فتح وصمتت عنه هذه الفصائل في موقف غير سليم، ولذا فمثل هذا التوافق المطلوب على هذا النحو ليس إلا ديكوراً خارجياً للانخراط في متاهات جديدة وتجارب أكثر مراراة، و لكن لا نفهم أبداً أن تكون في ذات الوقت مواقف حماس أو غيرها في الساحة الفلسطينية من العلاج الحقيقي الوحيد للحالة الوطنية الفلسطينية، ومدخل إعادة الصحة لهذه الأوضاع المعتلة، على هذا النحو من الرفض أو المناورة، ثم المناورة هنا ضد من ؟ وما هي حدودها؟ ولماذا تصبح ضرورة؟ والسؤال الكبير : إذن ماذا تريد حماس أو غيرها من القوى المقاومة وماذا تقترح من بدائل حقيقية وطنية عامة للمخرج ؟.

مشنقة خيارات التيار المتصهين....!

المحاولات المسجّلة التي يبذلها اليوم محمود عباس في مناورة مكشوفة مع أطراف وقيادات وطنية في "فتح" رفضت مقامراته وارتهاناته دائما ووقفت موقفا وطنيا صلبا منذ اليوم الأول لأوسلو في محاولة منه لما يقول عنه أنه لرأب الصدع وإعادة "اللحمة" للقيادة التاريخية لحركة فتح - حسب زعمه- ، أو تلكم المحاولات المستميتة التي جرت للاتصال بقيادة الإنقاذ الموحدة من جهة أخرى ممن هو في دائرة التيار المتصهين هي محاولات بائسة لن يكتب لها النجاح على أي مستوى وأي تقدير، لأن جوهر اللقاء والفراق كان ولا زال في صلبه الفرز بين نهج التفريط والتوريط الذي مثله ولا زال محمود عباس والتيار المتصهين في فتح، وبين نهج فتح الأصالة وفتح الثورة والإنقاذ الذي تمثله القيادات الفتحاوية الوطنية والأصيلة التي التقت على أساس التمسّك بالثوابت الفتحاوية والنهج الوطني في هذه المسيرة.ولأن الفرز قائم على هذه المبدأية فإن اللقاء لا يقوم إلا على أساس هذه المبدأية وعليه فإن تصوّر تخلي التيار المتصهين عن دوره والتزاماته ومكتساباته الذاتية ومختطفاته غير الوطنية وغير الشرعية من أجل اللقاء من جديد هو تصوّر طفولي لا يقترب من الواقع في شيء، وأما من جهة أخرى فإن أنياب هذا التيار المتصهين لن تسمح لا لمحمود عباس ولا لغيره أن يستدرك ولو جزءا ضئيلا من حركة الخيانة ومستنقع العمالة التي وصلت إليها خاصة وأن جزءا من قائمة العمالة قد أوصلها ما يسمى بمؤتمر بيت لحم إلى اللجنة المركزية من حول محمود عباس بتحالفاته معها وانصياعه لمتطلبات الأوامر الإمبريالية والسيناريوهات الصهيونية الموضوعة، ومع أن هذه اللجنة هي مجرّد ديكور مسرحي لعمل حلقة التيار المتصهين فإن الأذرع الحقيقية لامتدادات هذا التيار في أجهزة سلطة "دايتون" هي في الحقيقة موضع الحسم المتوقع في كل لحظة دون الحاجة لهذا الديكور.

يمكن لمحاولات التيار المتصهين ومناوراته هذه التي يتحرك بها البعض أن تكون محمولة على أساس تكملة برنامجه الانتخابي المعلن لسلطة "دايتون" ، أو أن تكون محاولة بائسة لاستخدام ورقة قوة تمثلها التيارات الوطنية في "فتح" وتشكيلاتها أمام العدو الصهيوني أو إدارة أوباما للتخفيف من انكشاف ظهرها قبل الأوان لا سيما في المرحلة القريبة الضرورية لتنفيذ الجزء التالي من برنامج هذا التيار المتصهين، أو أن تكون محاولات تخريبية بائسة إحهاضية لنمو وتجذّر التيار الوطني الكفاحي في "فتح" الآخذ في طريقه نحو اللقاء البؤري التجميعي، لكنها لا يمكن أن تكون مجرّد صحوة متأخرة وفجائية لهذا التيار الذي لا يزال ينفّذ أجندة العدو بكل حذافيرها، ومع ذلك فإن المسؤولية الوطنية تقتضي أن نقول بشكل واضح وصريح أن لا شروط على أية صحوة حقيقية تتم عند بعض أجزاء هذا التيار الذي لم يتورّط في مراحل السقوط النهائية على أساس ثابت وحيد لا غير، العودة إلى البرنامج الفتحاوي الوطني والشرعية الفتحاوية الحقيقية واعتبار كل ما تلا مسرحية بيت لحم ساقطا ولا قيمة له، والعودة إلى مراجعة حقيقية لا تغفل المحاسبة والحساب، وتقوم على أساس الخيارات الوطنية الفتحاوية المعلنة.

حتمية الجوهر الوطني....!

العنوان الوحيد المستخلص من مخاض نحو عقدين من الرهان على التسوية السياسية مع العدو الصهيوني للقضية الوطنية الفلسطينية أساساً، ولجملة القضايا العربية التي تأخذ ذات الحكم وتخضع للاحتلال الصهيوني، بالطريقة التي جرت بها ولا زالت تندفع على مساراتها المتفجرة، هو الفشل الواضح والصريح في تحقيق الأهداف التي سعت إليها، بالرغم من أن هذه الأهداف المتواضعة كانت بحقيقتها تتراوح في الحدود الدنيا من الحقوق العربية والفلسطينية ، وهي التي لا تمنح أكثر من دور صغير للأمة العربية في هذا الإقليم، وأقل من خمس الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية في التراب الوطني الفلسطيني، وفي ممارسة سيادته وتقرير مصيره وعودة لاجئيه ونازحيه إلى أرض آبائهم وأجدادهم، هذا الفشل تقوله الوقائع على الأرض، والأزمات المتفجرة يومياً أمام هذه العملية المعلولة، وتقوله أيضا وتعترف به ذات الدوائر التي سارت به، ووضعته عنواناً وحيداً لسياساتها وقراراتها، وذلك تحت شعار "خيار السلام" الاستراتيجي.

ثمة خطران واضحان في غياب عمل البؤرة الوطنية الجامعة، الخطر الأول: هو انزلاق شريحة أو قطاع أو حلقة مصالح في سلطة رام الله متهمة أساسا بجملة اتهامات خطيرة سواء في المسلكيات ونوعية الفساد الإداري فيها، أو في المبدأيات من حيث ارتهانها وارتباطها بالحلقات الصهيونية والدوائر غير الوطنية وغير القومية، وهو الأمر الذي يعني في نهاية المطاف التموضع بحيث تسوّق نفسها على أنها وريثة العمل السياسي الفلسطيني فتقوم بتوقيع الصفقات والاستجابة لنوعية الرؤية الصهيونية التي يحتاجها الكيان من هذا الفئة، والثاني: هو تشظيات أخرى وانزلاقات مماثلة في واقع حركة حماس أو القوى الإسلامية الأخرى في القطاع نتيجة لمناورات السلطة على حساب برنامج المقاومة الفعلي، وفي نهاية المحصلة تغييب القدرة الفلسطينية على مواجهة المشروع الصهيوني وحقائق أهدافه ليس فقط في فلسطين، بل في كل المنطقة العربية والإقليم،وبالقطع فإن مفاعيل بقاء ا لوضع الجامد على هذا النحو وهذه التجزئة، ومناورات بينية بينها، أو انزلاق أي منهما نحو مزيد من حالات الفعل السالب وردود الفعل غير المحسوبة التي من الممكن أن تنفجر رداً على هذه، أو حتى انزلاقهما معاً نحو المزيد من تكريس الهاوية الفلسطينية ومعها سحب الوضع العربي إلى مزيد من المخاطر، ولذا فإن إستراتيجية الخلاص الوطني الممكنة النفاذ إلى استعادة التوازن في الساحة الفلسطينية، والتي يمكنها أيضا أن تعيد تصحيح إيقاع الجملة السياسية العربية، تعتمد أساساً على إعادة دور الجوهر الوطني الفلسطيني إلى قيادة الحركة الفلسطينية على قاعدة المشاركة بعد تصحيح الأوضاع الشاذة التي نشأت في هذه الساحة.

أفخاخ الاستهداف....!

ليس المهم تكتيكات عباس في استذكار المصالحة اليوم، وإكثار الحديث عنها، وإرساله الرسائل حول هذا الملف، بعد أن كان منذ فترة قليلة ، يطلق التصريحات النارية ضد حماس ويتوعدها، وهذه التكتيكات اليوم تريد ببساطة تحقيق ثلاثة أهداف سريعة: الأول منها لتوفير الغطاء على تراجعه وعودته للتفاوض، وإشغال الساحة بعيدا عن هذه العودة التي يريدها مع أقل تسليط ضوء ممكن عليها، وحبذا لو تمت بالظل البعيد، والثاني منها معرفته بأن قطاع غزة أحد الجبهات المتوقعة لضربة العدو القادمة، وأحد احتمالات العدوان، فلكي يكون الحال كما فعل في العدوان السابق عام 2009، أن يقول أني حاولت أنجاز المصالحة لإنقاذ القطاع وإبعاده عن دائرة الخطر، وهي بالتالي محاولة تحضير غطاء الضربة إن وقعت، أما الثالث منها، فهو خشيته من أن تقوم حماس بالتنسيق مع فتح الثورة وعناصرها ومواضع قوتها، وأن تعلن شراكة ما أو صيغة ما في قطاع غزة، تصبح مقدمة لانتفاضة في الضفة ضد سلطته وأجهزته.

على حماس أن تقرّر الآن ومعها فصائل المقاومة والثورة الفلسطينية، ما هي خياراتها الحقيقية للمرحلة القادمة، هل هي الذهاب لتوفير غطاء جديد لعودة عباس لمشاريع مفاوضاته على ذات الطريقة التي أصبحت مهنته الوحيدة وطاقمه المعروف، أم عليها أن تفكّر في صيغة جديدة تطلق فيها رصاصة الرحمة على قصة "سلطة اوسلو" ، وتعيد فيها الاعتبار إلى حقيقة توصيف قطاع غزة على أساس أنه فعلا منطقة وطنية محررة، وأن مسألة إدارته يمكن لها أن تتم عن طريق هيئة أو مجموعة أو فريق يختار من القوى الوطنية في القطاع كافة، وأن تعيد حماس والجهاد وفصائل المقاومة من غزة ترتيب وضعها والاستعداد لمغامرات العدو المحتملة، عليها أن تختار طريقاً يفتح المجال أمام عمل خلّاق، أما مسائل الكلفة، فكلفة حصار مشروع سلطة، يبقى أقل قيمة للتاريخ والمستقبل، من كلفة حصار مشروع مقاومة وثورة تحرير.

أوكار العمالة ....!

ناك اليوم حقيقة واحدة تخص حالة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، ملخصّها أن هذه الحركة ليست موجودة ومغيّبة تماماً، وإذا كانت تعبير التغييب هو التعبير الطارئ اليوم ليشكّل توصيف الحالة بالنسبة إلى الفتحاويين الوطنيين، نتيجة عدم إفلاحهم حتى الساعة في استنقاذ هذه الحركة من براثن هذا التغييب، وعدم تسجيلهم لنقطة جوهرية على طريق هذه الاستعادة، على اختلاف منابرهم الأصيلة المناضلة لاستعادة "فتح"، المؤسسة و"فتح" الثورة، فإن التوصيف الحقيقي لهذه الحالة بالنسبة إلى من يدّعون الفتحاوية وهم جلادو هذه الحركة وجزّاروها ووكلاء تصفيتها لصالح مجموعة من الحسابات غير الوطنية وغير الثورية، سيكون بل شك داخل إطار "فتح" الصريعة.

لم نكن نحتاج إظهار بعض ملفات الفساد المالي والأخلاقي والسقوط الوطني لنقتنع بنوعية هذه الطغمة الفاسدة، سواء أكانت هذه الملفات قديمة أم جديدة، ذلك لأن ما يقامر به هؤلاء اليوم علنا من خلال تنفيذهم لاستراتيجيات العدو في إنتاج مرحلة الكمبرادور بختم يحمل اسم "فتح" واسم منظمة التحرير الفلسطينية، هو أفصح وأوضح من أي ملف جانبي يتعلق بأفراد هذه الطغمة الفاسدة والساقطة، فمن يتلاعب بالملفات الكبيرة والثقيلة الوزن، لن يتورّع عن التلاعب بهذه الملفات الأخرى الأهون شراً، مع أن بينها متلازمة عضوية وجدلية، وتؤكد قوانين فحص المسلكيات دوما هذه العلاقة، فالساقط أخلاقيا أو دينياً أو قيمياً، هو مشروع ساقط وطنيا بأعلى درجات اليقين.

لا يحتاج الأمر ملفا لإثبات خيانة في التنسيق الأمني مع الصهاينة، فآثاره الخيانية سبقت مسألة فرق الموت التي أعدها عملاء الأجهزة التي أرادها العدو وفرض مجال حركتها وخطوطه العامة، ولا يحتاج الأمر ملفاً لإثبات أن هذه الأجهزة والأسماء التي كشفت دورها الخياني والتفريطي في الفلتان الأمني الشهير، وقدّمت وثائق اتهام حول دورها في اغتيال الشهيد عرفات مثلما تثار اليوم إشارات إلى دورها في اغتيال الشهيد المبحوح، هي واحدة من معادلة أوكار العمالة التي ترعاها أجهزة العدو الأمنية الداخلية والخارجية، وتسند لها الأدوار المختلفة لضمان بقاء فتح صريعة وم.ت.ف رهينة وتقسيم التواصل الجغرافي والاجتماعي قائم على حاله.

فتح تولد من جديد: القيامة القاهرة.....

أصبح واضحاً أن فتح التي تم تقديمها في مؤامرة بيت لحم صيف العام الماضي 2009، هي فتح التي انحرفت عن كل ما هو فتحاوي حقيقي في سبيل إنتاج حالة هلامية، قفزت إلى جسم مؤسسات سلطة أوسلو المحدودة لتوزيع بعض الغنائم، والتي يتم في حقيقة الأمر تحصيلها من باب المال السياسي الأوروبي المشروط بأداء وتنفيذ مهمات سياسية، وهي مهمات دور الشرطي الحارس للعدو الصهيوني والقامع للشعب الفلسطيني في الاتجاه الآخر، وفتح من هذا النوع سواء أكانت تسيّر هذه السلطة أو أنها افتتحت مشروع السلطة، وباتت هذه السلطة تسيّرها اليوم هي صورة باهتة عن حكومة فيشي، هذه الفتح هي النوع الذي يحرص العدو الصهيوني على الانتقال معها من مرحلة الصراع السياسي كما كانت إبان بداية السلطة الوطنية، وعهد الشهيد ياسر عرفات وقيادته لمغامرة أوسلو، إلى مرحلة التدجين والاحتواء السياسي، فالتعايش والتقابل، فالهضم والاستخدام.

عندما تصبح فتح الثورة ماض يتم حتى تدمير الجسور الثقافية إليه، وعندما تصبح فتح المقاومة مجرّد ستارة سوداء كثيفة تستخدم عند الحاجة، ولا تزيد في وتيرة فعلها عن الدعوة إلى نضالات الشموع والوقوف تحت سيل المياه الآسنة الصهيونية في بلعين ونعلين، وعندما تصبح مرادفة وتعريف المقاومة في برنامج مؤامرة بيت لحم، هي هذا النوع من النشاط البارد المقبول على مستوى النضال النقابي وليس الكفاح الوطني المركزي، وخاصة مع هذه الهجمة المسعورة للعدو، وعندما تقوم هذه الفتح بقطع الصلة مع جزء أساس من عناصر ثقل النضال الوطني الفلسطيني خارج مقاطعة رام الله وسلطتها، وتصبح مجالات فتح هي حدود مقاطعة الشهيد ياسر عرفات ، وعندما تصبح مخيمات اللجوء وأقاليم الشتات الفلسطيني، على أنها مواضع إعاقة يتم التآمر على التخلص منها، تحت يافطات تسهيل التوطين وتعريف الاغتراب، وعندما يتم تلزيم المستقبل تحت رحمة مارثونات لقاءات عبثية مع الصهاينة والأمريكان، مرة باسم المباشرة ومرة باسم غير المباشرة، ومعها يتم التآمر على نصف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإبقائه محاصراً رهينة الاستجابة لشروط الاستسلام الصهيونية، ومال التغطية الأوروبي وشروط الرباعية، تصبح ضرورة تصحيح الجريمة التاريخية، وإعادة المراجعة، وإعادة ولادة وقيامة فتح الثورة من جديد ضرورة، وهذه العودة التي ستقوم بإعادة ترميم كل الثغرات في الجسم الوطني ، وتعبئة القلاع التي أخلتها فتح دايتون، تبدأ من باب المؤتمر الحركي الذي يجب أن يسقط حالة فتح- دايتون ومشروعه الذي تم تكريسه في مؤامرة مؤتمر بيت لحم.

الثوابت الوطنية ليست تقية

إن الثوابت الوطنية الفلسطينية هي تلكم الثوابت التي أطلقتها حركة الشعب الفلسطيني الواعية، والتي نادت بها ثورة الشعب الفلسطيني منذ ثورة البراق في عام 1922 وعلى تخوم الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، ومروراً بمعركة القسطل واستشهاد القائد المجاهد عبدا لقادر الحسيني، إنها ثوابت الإرث الوطني التي لا يجب أن يعتقد أحدهم أنها طارئة في برنامج سياسي لحركة أو فصيل أو حزب، الثوابت الوطنية الفلسطينية هي التي وقفت عندها القيادة الوطنية في منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، وانطلق بها صوت القائد الوطني أحمد الشقيري دائماً، وهي الثوابت التي جاءت حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، مفجرة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من كانون عام 1965، لتعيد تجديد جذوتها ولتتخذها في ذات الوقت النبراس في طريق الثورة والفداء إلى فلسطين، هذه الثوابت هي التي شكلت الأسس الصلبة التي جرى استنطاقها في المباديء والأساليب والمفاهيم والمنظومة العامة للجملة الحركية الفتحاوية، إنها نواة الإطلاق والتفجير ومصدر الحياة الحقيقية لمسار ومصير كفاح شعب فلسطين في العصر الحديث بعد جريمة النكبة في العام 1948.

ول هذه الثوابت الوطنية أن فلسطين كلها من النهر إلى البحر أرض عربية خالصة، وأنها ملك الشعب العربي الفلسطيني لا شريك له فيها ولا خصيم، وأن حقه في أرضه كلها غير قابل للمساومة ولا للتسوية ولا للتفريط ولا للتنازل، وأنه لا تفويض في هذه المسألة لا لحزب ولا لقائد ولا لجيل، لأنها مسألة اتصال الأجيال كلها اتصالاً طبيعياً غير متعسف ولا متكلف، وعليه كان الثابت الوطني الثاني دوماً أن فلسطين بتاريخها وماضيها مثلما هو يجب أن يستمر بحاضرها ومستقبلها، جزء من الأمة العربية الواحدة، وجزء من الحوض الحضاري الإسلامي الكبير، وهي قلب هذه الأمة لأنها قلب المقدسات السماوية، وأن العهدة العمرية التي أفضت إلى ولاية شعب فلسطين العربي على هذه المقدسات هي وصية وقفية تأخذ طابع المقدس حكمها في ذلك حكم هذه المقدسات، أما ثالث هذه المرتكزات الوطنية الفلسطينية الثابتة، فهي أن تحرير فلسطين كل فلسطين وعدم التفريط بأي من المرتكزين السابقين، بالكفاح المستمر حتى تفكيك المشروع الصهيوني لآخر ملمح أو حلقة فيه، تماماً كما تم تفكيك المشروع الصليبي والمشروع المغولي من قبل، هو الهدف الوطني والقومي والإسلامي والإنساني والحضاري الذي يقوم به شعب فلسطين كله بدون استثناء ولا تمايز أو تراتبية، انطلاقاً من حقه وشرفه وعهدته أيضا.

لقد انطلقت حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» من هذه الثوابت الوطنية الفلسطينية الراسخة، وعكست فهمها الحركي لها في وثائقها وممارستها السياسية باكراً، فأنشأت لها ترجمة حركية تقابل هذه الثوابت الوطنية في سقف الأداء وسؤال العمل، فأكدت منذ البداية أن الكفاح المسلح والحرب الشعبية هي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين بناء على تحليل سليم ودقيق لطبيعة المشروع الصهيوني ذاته، وطبيعة العدو ليس فقط في أهدافه ومراميه، بل في أحكام طبيعته النازية وما ترتبه من تلمس وسائل كسره وتحقيق استجابته وإرغامه على الاندحار، وأقرت في ثابتها الحركي الثاني أن الثورة لن تقبل الوصاية ولا التسوية ، لن تقبل الحلول ولن تقبل المساومات، وأنها ستستمر في مشوارها الفدائي وطريق التضحيات حتى إنجاز التحرير الشامل والعودة التامة، وأنها تدرك أنها ستتحمل في هذا الطريق الأحمال الثقيلة المرهقة وهي مستعدة لهذا بإباء ثوري وعنفوان وطني عالٍ، ولأن هذه الثورة تقبل التحدي على المستوى الوطني العام في مصارعة ومكاسرة العدو ومشاغلته حتى القدرة على استنهاض الهمم العربية في طريق الثورة، لأن شعب فلسطين هو طليعة الحربة ودرع الأمة لكنه لن يستطيع وحيداً إنجاز كامل المهمة التي يجب أن تتخندق فيها الأمة العربية والإسلامية معاً، فإن على الثورة أن تعبّر عن الشعب الفلسطيني وتقوم بتحريك طاقاته التامة الموزعة على احتياجات المواجهة الشاملة مع العدو، فتنقل جماهير اللجوء إلى جماهير الثورة، وتنقل جماهير الوطن السليب من جماهير الاحتلال، إلى جماهير الصمود والانتفاضة.

إن التبريرات التي ساقها تيار التسوية ومن بعده يسوقها الآن تيار الصهينة في «سايغون-رام الله»، ليبرر عبرها انخراطه الشامل في عملية التصفية، والتي ارتكزت دوماً على ضعف الإيمان بالشعب ومخزونه الكفاحي من جهة، وقصر النظر فيما يتعلق بمستقبل ومخاض المنطقة في إعادة نهوض حركة التحرر العربية، والذي يقدم دوماً ثمار المرارة في نتائج المحطات السابقة وتراكم إحباط الهزائم والنكسات، وهو يسوّق لمواصلته مسيرة التسوية والتصفية التي أصبحت تشكل مرادفاً حقيقياً بدلالة واحدة، لم يعد له من حجة ولا من قيمة خاصة وأن انتصارات الصمود الأسطوري الذي شكلته قوى المقاومة الوطنية واللبنانية في لبنان وفلسطين، وتباشير تحرّك موازين القوى تجاه تشكيل حالة توازن نوعي بين المقاومة وبين العدو الصهيوني قد أصبحت ماثلة للعيان، وخاصة وأن تحقيق شروط الحضانة العربية والإسلامية والإسناد الحقيقي لثورة الشعب الفلسطيني ممكنة وقابلة للتحقق بعد فشل خيار التسوية فشلا ذريعاً وانكشاف عطبه العضوي البنيوي، كل ذلك يقود إلى رجحان منطق الثورة المتجدد وإلى عودة نوابض الحركة الحقيقية في استعادة المسار واسترداد عجلة المصير، وإن هذه المهمة التي قامت بها «فتح الثورة» في العام 1965، أصبحت اليوم على ذات التباشير بأن تعيد ترسيم خطواتها من جديد أيضا «فتح الثورة» في هذا العقد الجديد، وأن تفتتح الطريق لانتصار «هانوي الثورة» مرة أخرى.

القرار الوطني المستقل...

عندما انطلقت «فتح» ورفعت شعارها الخالد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، كانت تريد تركيز جهدها نحو فلسطين وتحريرها، وكانت تريد في المقابل «الجبهة العربية المساندة» لكفاح شعب فلسطين، ترجمة لشعارات منظمة التحرير الفلسطينية بالتعبئة والوحدة والتحرير، وحتى تؤمن أيضا ذات الطريق وفق هذا الفهم كان لا بد لها من رفع الشعار الخالد المكمل لهذا الفهم وهذا المسعى، فنبهت أن «لا تبعية ولا وصاية»، حتى تدرك أجهزة النظام العربي الرسمي أن لا وسيلة لاستخدام القضية الفلسطينية ورقة في حساباتها، ومن هذا الباب كان الشهيد ياسر عرفات يؤكد مراراً أن الرقم الفلسطيني هو الرقم الصعب في هذا الإقليم في عملية تقرير مصيره، لأنه رقم يؤشر على قضية وطنية وقومية في ذات الوقت لا بد من تحقيق شروط منحها العدالة الشاملة واسترجاع حقوقها الكاملة والتعويض أيضا عن معاناتها وآلامها، ولذا لم تفلح أجهزة عربية رسمية متصارعة في احتساب هذه الثورة وهذه الحركة يوماً في جيب أحدها، وتمت الاستجابة لطلبها في الدعم السياسي والمادي القومي بلا شروط وفق هذا المنظور المتكامل الذي حرصت عليه «فتح» دائما وحرصت عليه الثورة الفلسطينية في أغلب محطات مسيرتها، ولا يعني هذا أن ضمان ذلك كان كاملاً من الخروقات عبر بعض الفصائل التي كانت باباً لمحاولة الحرف، وهي ذاتها اللحظات التي دفعت الثورة أثمان باهظة لهذه الخروقات عبر المحطات المؤلمة، عندما اختلت قاعدة التوافق الوطني الفلسطيني هذه.

انتصرت معادلة الثورة في شعارها الضرورة بعدم الوصاية ولا التبعية وبالذات بعد معركة الكرامة الخالدة عام 68، واستطاعت التأسيس لمرحلة استقلالية القرار الوطني المستقل أحد زوارق الأمان نحو الوطن، وأرست تقاليد عربية جديدة في اعتبار الخيمة التي شكّلت الوطن المعنوي للشعب العربي الفلسطيني، أي منظمة التحرير الفلسطينية بعد العام 69 الإعلان العلني عن انتصار معادلة الثورة الجديدة، وصوابية نهجها وخطها الاستقلالي الذي تغذيه بالأساس قيمتان ثابتتان: الأولى قيمة الكفاح المسلح والممارسة الثورية المناضلة وشروطها العامة، والثانية قيمة الترابط العضوي بين الوطني والقومي في الطريق إلى تحقيق أهداف الثورة الفلسطينية وبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية بالتحرير والعودة، ودون هذين الشرطين لم يكن ممكناً تحقيق انتصار هذه المعادلة الثورية الرائدة، ولا إقناع أحد بأهميتها ودورها وقيمتها من جهة، كما لم يكن ممكناً أيضا تأكيد شرعية التمثيل وقانونيته ووطنيته.

بعد معركة بيروت في العام 82 والخروج الإشكالي منها، عادت مسألة التبعية والوصاية واستقلالية القرار، من بوابة مرحلة ضرورة التحالف الاستراتيجي بين العامل القومي العربي الرافض لكامب ديفيد النظام الساداتي 79، وثمرة الخطيئة الأولى التي قدمها هذا النظام بتمكين العدو من الثورة في لبنان والاستفراد بالجبهة القومية الشمالية، وبين أجزاء الحركة التحررية العربية ككل وجزء هام منها الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبدلاً من إعطاء الوقت الكافي لمراجعة حقيقية وإنضاج شروط الممانعة والتصدي لتحقيق مرحلة التوازن الضرورية من أجل المعركة واستكمالها، كانت الهواجس والنواقص أكبر من اللازم بحيث قادت إلى صورة من صور التعبير عن هذا الخليط الخطر المركب في حينه، ولأن هذه الخطوة المتسرعة المعتسفة كانت مكللة بالكثير من الآلام والجراح، فقط وجدت الطريق لنفسها كي تنزلق ناحية النقيض القومي واختبار الرهان على طريق آخر، هو طريق توظيف دور النظام المصري كعرّاب لعملية التسوية التي يبدو أن الشهيد عرفات اقتنع بالحاجة إلى تجريبها، وهو أحد الأخطاء التي تسرّبت في حمى توابع قرار الخروج نفسه، وإذا كانت عملية المراهنة على التجريب في مسألة التسوية هذه بقيت من واقع الخيارات النضالية للقيادة الفلسطينية التي كانت لا زالت على رأس الثورة، ومن موقع الممارسة الكفاحية وإن بشروط مختلة كنتيجة لعواصف معركة بيروت، مما يبقي لها حق التمترس عند ذات القوانين في مسألة شعار القرار الوطني المستقل، على أساس أنها لم تغلق الباب مع ظهرها القومي المقاوم، حتى وهي تنجر لدفع ثمن باهظ في فصول حرب المخيمات والشمال في طرابلس،فإنها لم تتنبه إلى أن شروط الدافعية المغذية لصوابية منهج لا للوصاية ولا للتبعية، تتعرض للضغوط وبعض الخلل من الجهة المقابلة، وفي الطريق الآخر الذي اختارته.

مع هذا التغيير أصبح الشعار باستقلالية القرار هذه المرة بدلاً من أن تغذيه قيم وأصول ومدخلات المعركة والتصدي والممانعة واستمرار الكفاح الوطني وعلاقات معسكر حلف الثورة ضد حلف العدو والقوى المضادة، إنعكست الصورة بشكل عجيب لتصبح كل كتلة هذه المعادلات تحت تقديرات واستخدامات تفسيرات التنافس في مسارات التسوية وظروفها، والصراعات الخفية في استحقاقات التمثيل وشرعيته ومدى ما يتم استحصاله من أجزاء البواقي التي عبر عنها الزعيم الوطني حيدر عبد الشافي لوزير الخارجية الأمريكي بيكر بأنها الفضلات والمهملات التي يقدمها العدو، ومع هذه الصورة الغرائبية والانقلابية، أصبحت الصورة الكاملة سوريالية وتحتمل فقط شروط المغامرة نفسها، بحيث تكون قيمتها من قيمة نواتجها، فإذا كانت «استقلالية القرار الوطني الفلسطيني» الموظفة في عملية تسوية من هذا النوع، على أساس البرنامج الوطني والمشروع الوطني الذي قبلته «م.ت.ف» في مؤتمر الجزائر عام 88، ستعطي وتقود إلى تحقيق مرحليتها هذه عبر تشييد دولة فلسطينية في حدود حزيران العام 67 والقدس عاصمة لها وعودة اللاجئين وتحقيق الحقوق المرتبطة بها بما أعلنته وتضمنته مسألة الحل المرحلي، فإن هذه الممارسة ستكون مقبولة نوعا ما على شروطها هي، وليس على الشروط الكفاحية التاريخية لبرنامج «فتح» الاستراتيجي، وإن كانت ستؤدي لغير هذا فهي ليست استقلالية ولا علاقة لها بها، أي أن التقييم أصبح بالجملة والنتيجة.

عندما أنجز التيار المتصهين مرحلة الانقلاب على «فتح» وعلى منظمة التحرير، وحقق الإنشقاق الدايتوني في بيت لحم، وتآمر على شروط الأمان في مغامرة القيادة الراحلة بالجملة، ومارس الصورة وإفرازاتها الظاهرة للعيان، فإنه كان بالقطع هذه المرة يجهز حتى على الشروط الضعيفة التي بقيت حتى آخر نفس عند الشهيد ياسر عرفات في مسألة شعار «القرار الوطني الفلسطيني المستقل» والذي هو ماكنة «المشروع الوطني الفلسطيني»، واستطاع التيار المتصهين أن يأخذ هذه الماكنة نفسها ليوجهها نحو مشروع آخر تماماً هو مشروع العدو الصهيوني بما يراه حدوداً للتسوية التي يريد فرضها على الشعب الفلسطيني، والتي لا علاقة لها من قريب أو بعيد حتى بالحل المرحلي ونقاطه العشر وبرنامج إعلان الدولة في العام 88، ويقل كثيراً حتى عن عرض المجرم بيغن لنظام السادات في كامب ديفيد عام 79 والذي قيل له ستعطى في هذه المسألة بقدر ما يؤخذ من حصة مصر نفسها، وكانت لا تتعدى مسألة «الحكم الذاتي المحدود للسكان»، فالحكم الذاتي المحدود الذي عرضه بيغن آنذاك كان يطابق على الأقل في مسألة الجغرافيا الفلسطينية حدودا أكثر من حدود العرض الصهيوني الحالي الذي قبلت به عصابة التيار المتصهين العميل بما فيها المقدسات، وفي حدود السياسة والاقتصاد كان أكثر استقلالية وذاتية من واقع اتفاقية باريس وتطبيقاتها التي أجهزت على القطاع الاقتصادي الوطني وربطته بالكامل باقتصاد العدو، وفي مسألة التعبير السياسي الذي كان يلحظ استقلالية في التواصل الداخلي والخارجي، أكثر مما تفرضه شروط العدو الحالية، ناهيك عن أن الوظيفة الأمنية الجديدة التي أصبحت السلطة الحالية تقوم بها في حماية العدو ومستوطنيه لم تكن واحدة من شروط إذعان الحكم الذاتي التي قدمها بيغن، فيما هي اليوم السبب الوحيد المبرر لبقائها في عين حكومة العدو الصهيوني، وهكذا فإن استخدامات شعار«القرار الوطني المستقل» حاليا، هي استخدامات تحقيق شرعنة الخيانة والتفريط وتسهيل الوصول إلى حالة الارتهان الكامل للمصير الذي يخطط العدو الصهيوني لتصفية القضية على أساسه، ودون أن تنهض عملية تصحيح حقيقية داخل فتح ومنظمة التحرير، ودون إقصاء ومحاكمة هذا التيار العميل، واستعادة شروط الثورية الدافعة لشعار لا «للوصاية والتبعية»، وإعادة صياغة العامل القومي التحرري في الممارسة، فإن الواقع الحالي هو تبعية للعدو ووصاية له على القضية الوطنية.

حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»

تيار المقاومة والتحرير

تنويه الاعلام المركزي : القائمون على تشغيل وسائل التواصل الاجتماعي لا يخجلون من خضوعهم لارادة الاحتلال الصهيوني وتعليماته التي تجعلهم ليسوا أكثر من أداة رقيب احتلالي عسكري للكيان الصهيوني الاحتلالي والعنصري (الابرتهايد) تويتر بعد يوتيوب يوقف حساب التيار والحجة ذاتها


الموقع الرسمي - الاعلام المركزي - مفوضية الشؤون االاعلامية - قوّات العاصفة - تيار المقاومةوالتحرير

1 من الزوار الآن